الموروث الإسلامي في شعر السيّاب
القسم الأول (الدراسة في أربعة أقسام)
|
فاطمة فائزي
|
بدر شاكر السيّاب من أعلام الشعر العربي الحر، مولّع بإستخدام الرموز من البيئات الاجتماعية و الديانات المختلفة لاسيما الإسلام و لقد كان القرآن الكريم من أهم المناهل التي إستمدّ السيّاب رموزه منها خاصة قصص الأنبياء و الشخصيات التي جاء ذكرها في الكتاب المجيد، وجعل السيّاب هذه المحاولة معراجاً لمعان حياتية كثيرة و طاقات تخّيلية ثريّة، و تصويراً يعكس جانباً من حياته و آرائه، و مرآةً تعبّرعن الظروف المتقلّبة للحياة إلاجتماعية و السياسية والفكرية في العراق و العالم العربي ، و جسدا ممتداً يربط الحاضر بالماضي ، إذ غن الاحداث إمتداد للأحداث المنصرمة، و هي متلائمة معها في ذواتها مستمدة منها اكثر ملامحها. و من يتصفّح ديوان السيّاب يجده مليئا بالرموز خاصة الرموز الأسطورية و الدينية و بالتحديد الشخصيات القرآنية التي تكثر في ديوانه؛ إلا أن السيّاب في إتجاهه الرمزي لجأ إلى بعض الشخصيات أكثر من غيرها، فنراه مثلاً يكثر من ذكر هابيل و قابيل و أيوب (ع) و المسيح (ع) ، لكنه يكتفي بإشارة واحدة لقصة آدم (ع) و يأجوج و مأجوج و النبي محمّد (ص)، و ذلك أنّه يرى في الشخصيات الأولى مرآةً لحالة لما فيها من إيحاء لأحوال عصره و حياته، فتكون هذه الشخصيات أكثر قدرة على بلورة آرائه و معتقداته. أما الشخصيات التي لم يتطرّق إليها كثيرا فذلك لإيمانه بعدم وجود تناسب كبير فيها مع أحوال عصره و حياته. لكن السؤال الذي يشغل ذهن الباحث هو أنّه كيف إستخدم السيّاب الشخصيات القرآنية كرموز؟ و عن أيّ شيء عبّر بهذه الرموز؟ و كيف كانت محاكاته لقصص هذه الشخصيات في القرآن الكريم؟ حاولنا في هذا القسم من البحث دراسة الشخصيات القرآنية التي إختارها السيّاب رموزاً لنكشف بعض الحقائق المستورة في هذا التعامل المبارك بينه و بين القرآن الكريم و نبيّن كيفية استخدام هذه الرموز عنده و سنشهد ببعض تلك الرموز و نتناولها بالدراسة و التحليل، لأنها تعكس جانباً من آرائه و معتقدائه، فقد جاء ببعض آرائه إلاجتماعية و السياسية في حلة رمزية و إستمد بعضاً من الشخصيات القرآنية و ما يرتبط بها من حكايات و قصص و لكن في بادئ الأمر سنتطرق إلى تأثير القرآن الكريم على السيّاب و ثم نتناول رموزه القرآنية. و كما أشرنا فإن الرموز القرآنية من أهم الرموز التي إستدعاها السيّاب لتعبّر عن الأوضاع السائدة و الحالات الطارئة على المجتمع العربي و الإسلامي. لكننا نقتصر هنا على إيراد رموز نتناول قصص بعض الأنبياء(ع) وغيرهم من الشخصيات القرآنية. و من المعروف أن الشاعر عاش تجارب غنية و متنوعة على مدى أربعين سنة (1926-1964) و كانت شخصيته نامية و منظورة ... تعيش الواقع و تدخل في أزمات متتالية لا ينتهي من واحدة حتّى تطلّ الأخرى مضنية على أرجل تبعات جديدة وإلتزامات مضنية عاني منها ... صارعها فصرعته.[1] و قد يتساءل البعض، لماذا الصورة الإسلامية في شعره؛ و التسأول هنا يكتسب شرعيته، خصوصاً إذا عرفنا شيئاً من الصفحات المعلنة في حياته، فهي تنبأ بانتقائية الرجل و عدم إستقراره، في إتجاه فكري واحد ، و ذلك أنّه كان يغيّر في مفاهيم العامّة في الأدب والحياة على حد سواء.[2] فبينما تجد ينفتح على كلّ شيء في المراحل الأولى من حياته، فها هو في أيامه الأولى في بغداد يبتعد من السياسة و الخوض في نقاشاتها مع زملائه و معارفه ... لم يكن شغوفاً بها بل كان يؤثر الانسحاب على الاشتراك في أحاديث من كانت تجمعه بهم علاقات[3]، " فيستأذن في الذهاب إلى القسم الداخلي في الدار تاركاً النزاع وأهله "[4] ... و في عامه الدراسي الأول في دار المعلمين كان " يتردّد على مقر جمعية «الشبّان المسلمين» حيث إستمع إلى المناقشات الدائرة من وجهة نظر الفكر الإسلامي ، لكنّه لم يكن منتمياً ـ بصورة رسمية ـ لتلك الجمعية، و أغلب الظن انّه كان يتردّد عليها لكي يلقي أصحابه من ألادباء المتدينين"[5]. و هذا لا يعني أن بدراً كان بعيدا من شؤون الأمة و شجونها ... و كان قد تشرّب في قريته (جيكور) مبادئ الحقد على المستغلّين و المرابين و المتحكرين، و رأى بأم عينه صفحات من إلاستبداد و الظلم و نهب و الثروات ... كما نما في داخله ميل إلى المستضعفين في الأرض . .. و كانت قرارة لنفسه تنطوي على بذور النقمة و ملامح الأمل في الكفاح من أجل نصرة الحق.. تلك القرارة مثقلة بالمشاعر، مليئة بإلافكار و النوايا الطيبة... إلى جانب ذلك كان الشاعر قد أخذ يلتهم الثقافة التهاماً ، و لم يزل على هذا الحال حتّى وافاه الأجل ... كان نهما إلى القراءة ... قراءة التراث الذي كان يعيه جيدا و قراءة التيارات الفكرية و الفنية المعاصرة قرأ الدين الإسلامي و ألاديان الأخرى و ألم بكنوز الأدب العربي و كان شديد إلاعجاب بأبي تمام الذي لم يكن ديوانه يفارقه ... و منذ عهد مبكّر نما ميله العميق نحو الفقراء و المساكين. و في الخمسينات عاش بدر في غمر المدّ القومي الذي كانت تشهده البلاد العربية و إنبرى في قصائده المختلفة عن القضايا القومية، يقمّص العروبة فتغدو أمراً أساسياً في إنطلاقته الفكرية، يصدر عنها في أدبه و كأنها جزء من شخصيته، بل هي كلّ شخصيته و من الطبيعي أن يحضر الإسلام في شعر بدر فيعيد الماضي التليد و يبرز الصفحات المشرقة في التاريخ العربي والإسلامي، فبدراً يحاول أن يلّم شتات المواقف الدينية، سواء أكانت إسلامية أم غير إسلامية في شعره. فإن شعره بلا ريب إنعكاس للصور التي تظهر إيمانه و حرارته في مجمل سنيّ حياته. و لقد جاءت الصورة الإسلامية في شعره فعلاً ثورياً يقدّم العرب. و الإسلام في نظر السيّاب كان أمراً رائعاً حاول أن يهيله على العصر و يصنع منه قيماً جديدة يكافح من خلالها. و هكذا كان الدين الإسلامي و تراث العربي منهلين يعود إليهما الشاعر ليسقطه على الآن ، ثورية مجلية ضد الظلم وإلاستبداد، وسيلة مقدسة لإتسنهاض الهمم من أجل الذوذ عن البطاح العربية التي تتعرض لأعتي غزاة في التاريخ. و لن يحارب هؤلاء إلا التاريخ نفسه ... إلا هذا التراكم الرائع من البطولات و الكنوز الإنسانية . ففي قصيدته الطويلة «ليلة القدر» يحشد الشاعر الكثير من القيم و المبادئ الإسلامية يذكر العرب المسلمين و يعيد ها إلى الأذهان عاملاً رئيساً للخلاص من الأزمات المتكررة التي تغوص بها الأمة العربية ... يستنجد بليلة القدر علّها تكون السيبيل الرافع العروبة والإسلام [6] : يا ليلة القدر أعلى قدر أمتنا شهم تعالى على الشطين و إنتصبا[7] أين العنان الذي يلويه عاصفة ما فاتحين يرون الموت مطلبا للرغو حول شروق الخيل وسوسة و النقع يذري لثاماً قنّع السحبا من كلّ محتسب بالله متكلّ عليه يعزي ضلوع البغي إن ضربا كأنّ أسيافهم في كلّ معمّعمة جسرٌ إلى جنة الفردوس قد نصبا أقومُ أحمد مضروب على يدهم بالذلّ من هول ذاك الفتح واعجبا تفرّقوا شيعاً في كلّ حاضرة قوم يقيمون من أغلالهم نصبا»[8] لكن آثار ليلة القدر، بدأت تلوح في الأفق العربي الإسلامي و لم تفقد الأمة العربية نسوراً يصنعون النصر لها و يعيدون المجد التليد بالجهاد و الإستشهاد و ثورة الجزائر خير دليل على ذلك ـ إذ على هذه الأرض الكريمة الطيّبة نبت الثوار المسلمون و أذاقوا الغاصب مرارة الهزيمة:[9] لولا بقايا من الثوّار صامدة فيظلّ وهران تسقي خصمها العطبا الموت وليّ فراراً من جحافلها والرعب مما تصكّ الظالم إرتعبا لقلت واضيعة الإسلام في بلد بالأمس أعلى منارالحق ثم خبا[10] ذلك أنّ أبناء الجزائر الثائرين إستطاعوا أن يدحروا المستعمر بالإسلام نفسه، حيث كانت الأيديولوجية العصرية الناجحة لإبقاء شعلة النور مضيئة، يروي صوت الأذان في الآفاق و يزرع الأمل في عيون المكافحين الذين منهم من قضى نحبه و منهم لايزال ينتظر.[11] يخاطب الشاعر الجزائر بقوله: أصبحت تستقبلين الصباح المطلاّ بتكبيره من ألوف المآذن كانت تخاف[12] هذه الليلة بما لها من خصائص و مميّزات و إحترام في قلوب المسلمين، تطلّ في هذا الزمن، بنظر الشاعر، من نافذتين مهمتين: الأولى نافذة النورالذي له في شعر السيّاب معان خاصة توازي الحياة ذاتها بما في النور من تفاءل و حرارة و خصب و نماء، يحتاجها الشرق العربي ، في هذه اللحظة العسيرة من تاريخه، و الثانية التنوير بمعنى الفكر و الثقافة ... أي أن العرب بحاجة إلى مشروع تنوير فكري حضاري كي ينقذه من الوهن الفكري ... و هذا المشروع كأمن في الإسلام نفسه فيا حبّذا لو تحمّله ليلة القدر في ساعته الصحوة يكون فيها الله إلى جانب العرب شرط أن يعود و إلى التمسك بدينهم. في كون نور الليلة المقدسة ذا فائدة و ناراً تحرق اللذين فعلوا عن سبيل الإسلام و قلبوا قيمه رأساً على عقب:[13] يا ليلة تفصل الأعوام و الحقبا هيّجت للقلب ذكرى فاغتدا لهبا و كيف لا يغتدي ناراً تطيح به قلب يرى هرم الإسلام منقلباً يرى شعائر دين الله هاربة يسفها النور تمضي حيثما ذهبا[14] على أن الشاعر يقيّم مقارنة بين المسلمين الأوائل الذين نصرهم الله و هم قلة أذلة "و لقد نصركم الله بيدر و أنتم أذلة "[15]، و بين مسلمي اليوم قلّبوا الهرم على رأسه .... فبدل أن يتّخذوا من السلف قدوة، فها هم مذلّون مهانون مفرّقون. و ها هي ذي ليلة القدر ترسل أنوارها ... تضيئ للمؤمنين ... تحمل إليهم روحاً لطيفاً من الملائكه يساعدهم في جهادهم: يا ليلة القدر يا نوراً أضاء لنا قاع السماء فأبصرنا مدى عجبا تنزل الروح رفافاً بأجنحة بيض على الكون أرخاهن أو سحبا وللملائك تستبيح و زعزدة تكاد رنّاتها أن تذهل الشهبا[16] و هكذا يضفي السيّاب جواً خاصاً على قصائده التي يستلهم فيها الإسلام فنراه يحشد فيها المعاني و المفردات والأمثال و الحكم ... يستعيدها لتمثّل في ذهن العربي المسلم و تتكوّن له حافزا على التقدّم و الرقي . أما قصيدته «أمام باب الله» فهي عبارة عن مناجاة تنمّ عن إخلاص الشاعر و فنائه بالله عن طريق إيمانه العميق ... و هي قصيدة دعائية تملأها المفردات و العبارات الإسلامية ، الأمر الذي يدلّ على سعة قاموس بدر الديني و على عمق ثقافته التراثية والإسلامية :[17] منطرحاً أمام بابك الكبير أصرخ في الظلام، الستجير يا راعي النمال في الرمال و سامع الحصاة في قرارة الغدير أستمع النداء يا بوركت، تسمع و هل تجيب إن سمعت؟ منطرحاً أمام بابك الكبير أحسّ بإنكسار الظنون في الضمير أثور؟ أغضب و هل يثور في حماك مذنبٌ أودّ لم أنام في حماك دثاري الآثام و الخطايا أودّ لو أراك ... من يراك؟ أسعى إلى سدّك الكبير[18] في موكب الخطاة و المعذبين ... و قاموس السياب غني بالأجواء الإسلامية، ينقلك إلى دنيا ماطرة تبعث في القلوب الرحمة والتوبة و الخشوع فتحسّ أنك بين يدي الله برئ طاهر من كلّ إثم و رذيلة مليئ بحرارة الإيمان و النبل. هذا القاموس مترع بالمعاني المستلهمة من القرآن و السنة و التراث، والصورالتي عرضت في الكتب ذات الموضوعات الإسلامية . أما المفردات فهي غريزة و منتشرة في قصائد مختلفة للشاعر. فإسم الله و محمّد والأنبياء الآخرين يتردد بكثرة ... كما نرى كلّمات مثل الشهيد الجهاد و النار و الجحيم و الجنة و التّكبير (الله اكبر) والفردوس و التوكّل و الملائكة و الإسراء و المعراج و المآذن و المولد و الكعبة والخير والشرو الشيطان و مكة و يثرب و الأنصار و غير ذلك من الكمات المأخوذة من واقع المسلمين و تراثهم تتردّد في بعض قصائد بدر إلى جانب ذلك كلّه، فإن السيّاب نهل من الثقافة الإسلامية فحفل شعره بالرموز والإستعارات الإسلامية، و إستعان بالقرآن الكريم في صياغة صورة معبرة[19]: ففي «شهداء الحرية» يردّد: رجال أباة عاهدوا الله أنّهم مضحّون حتّى يرجع الحق غاصبه[20] و هي مقتبسة من الآية الكريمة "و من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا"[21]. و كما رأينا في «ليلة القدر» قد إستعار السيّاب الكثير من عبارات القرآن خصوصاً «تنزّل الروح» و «تسبيح الملائكة» ... و هي مقتبسة عن الآية الكريمة : " تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر"[22]. كما يستشهد على السبيل المثال بقصة قابيل و هابيل الواردة في القرآن الكريم و الذي سندرسه لاحقاً بالتفصيل في هذا الفصل. 1. رمز آدم (ع) في شعر السيّاب: جاءت قصة آدم (ع) في القرآن الكريم بقوله تبارك و تعالى: " و إذ قال ربك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نُسبّحٌ بحمدك و نقدّسُ لـك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون"[23] . ففي هذه الآية و الآيات التي تليها سرد لقصه آدم (ع) الذي فضّله الله على الملائكة و جعله خليفة في الأرض و علّمه الأسماء كلّها:" قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنباء هم بأسمائهم قال ألم أقل لكم أنّي أعلمُ غيب السماوات والأرض و أعلمُ ما تبدون و ما كنتم تكتمون".[24] فأمر الله الملائكة أن يسجدوا آدم (ع) فسجدوا كلّهم إلا إبليس، فأسكن الله آدم و حواء (ع) الجنة و أمرهما أن يتمتّعا من طيّباتها و حذرهما أن لا يقربا تلك الشجرة التي نهيا عنها؛ فازّلهما الشيطان عنها فأهبطهما الله إلى الأرض، ثم علّم الله آدم كلّمات فإستغفر لذنبه، فتاب الله عليه[25]. و قد إستلهم السيّاب خطأ آدم (ع) في عدم إمتثاله لأمر الله، ذلك الخطأ الذي أدى إلى طرده من جنان الخلد إذ يقول: و يصرخ آدمُ المدفونُ فيّ رضيتُ بالعار بطردي من جنان الخُلد أركض إثر حواء[26] و آدم الذي يذكره الشاعر هنا و يحمل معه العار و الذي طرد من جنان الخُلد هو السيّاب نفسه، و جنان الخُلد هي رمز لجيكور، القرية التي عاش فيها السيّاب أجمل أيام حياته؛ فالسيّاب يتمّنى لو أنّه عاش كلّ أيام حياته في تلك الجنة الصغيرة، و يعتبرخروجه منها طرداً له، لأنّه لايستحق أن يعيش فيها، كما طرد أبوه آدم (ع) من الجنة لعدم إستحقاقه البقاء فيها بسبب ذلك الخطأ الجسيم الذي إرتكبه بإقترابه من تلك الشجرة المشار إليها : "فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه و قلنا إهبطوا بعضكم لبعض عدواً و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين".[27] يتأمل السيّاب قصته فيراها تضاهي قصة آدم (ع)، و يحاول أن يرمز إلى حاله بحال آدم (ع)، حين خرج من الفردوس و إبتعد عن المكان المحبب إليه، و هو مثال صادق و جاهز هيّأه القرآن للسيّاب كي يستعيره لحاله. و السيّاب في هذه المرحلة من حياته يعيش حياة تعيسة و مضنية بسبب ذلك المرض الذي أناخه و جعله يلازم الفراش متشوقاً إلى جيكور و أيّامها الزّاهية. و هذه الحال ذكّرته بحال آدم (ع) و تعاسته عند الإبتعاد عن الجنّة و أيام أنسها، فرمز إلى حالة بتلك الحال. و في أبيات أخري يشير إلى جانب آخر من قصة آدم وحواء (ع) عندما وسوس لهما الشيطان: "فدلّاهُما بغروُر فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهُما سوء اتُهُما و طفقا يخصفان عليها من ورق الجنة".[28] فكني عن آدم بالطريد و جعله رمزاً للمحبة والعشق و ما تأتيه من آثارا إيجابياً و سلبياً، مشيراً إلى تأثر آدم بزوجته، حواء عندما أغوته و ساقته لأكلّ مما منعه الله. فقد إستمد في ذلك من ملامح القرآنية و شيء من الملامح اليهودية لحكاية آدم و حواء (ع)، فيقول مخاطباً زهرة التفّاح: يا زهرة التفّاح هدّ ... لا تخبرين عن الجنان يوم إستفزّ بها الهوى قلبين باتا يخفقان أروي لنا نبأ الطريـ دّ فأنت روايةُ الزّمان أغوته (حواءُ) فمـ دّ يديه نحو الأفعوان ثمرٌّ يحرمه إلا لا هُ عليهما و يُحلّان و بدأ المواري منهما فإذا هنالك سوءتان و عليهما طفّقا من الـ ورق المهدّل يخصفان[29]
|
مصادر البحث:
[1] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية و الشعرية»، ص 183.
[2] أنظر: علوش، ناجي؛ مقدمة ديوان بدر شاكر السيّاب ، ج 2، ص 26.
[3] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية و الشعرية»، ص 183، 184.
[4] العبطة، محمود؛ بدر شاكر السيّاب و الحركة الشعرية الجديدة في العراق، ص 9.
[5] توفيق، حسن؛ بدر شاكر السيّاب «دراسة فنية و فكرية»، ص 64.
[6] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربه السيّاب الحياتية و الفنية و الشعرية»، ص 184 ـ 189.
[7] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة ، ج 2، ص 570.
[8] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 2، ص 568 ، 569.
[9] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب ، أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيا ب الحياتية و الفنية والشعرية»، ص 190.
[10] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 1، ص 569.
[11] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية و الشعرية»، ص 191.
[12] السيّاب ، بدر شاكر، المجموعة الشعرية الكاملة ، ج 2، ص 228.
[13] أنظر: المعوش، سالم، بدر شاكر السيّاب ؛ أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية و الشعرية»، ص 189.
[14] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة ، ج 8، ص 568.
[15] القرآن الكريم، سورة آل عمران، الآية رقم 123.
[16] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 2، ص 571.
[17] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج عصري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية والشعرية»، ص 199.
[18] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 1، ص 135.
[19] أنظر: المعوش، سالم؛ بدر شاكر السيّاب أنموذج شعري لم يكتمل «دراسة في تجربة السيّاب الحياتية و الفنية والشعرية»، ص 200.
[20] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 2، ص 108.
[21] القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية رقم 23.
[22] م . ن، سورة القدر، الآية رقم 4.
[23] م . ن ، سورة البقرة، الآية رقم 30.
[24] م.س ، الآية رقم 33.
[25] أنظر: بستاني، محمود؛ دراسات فنية في قصص القرآن ، ص 12 و ما بعدها.
[26] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 1، ص 264.
[27] القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية رقم 36
[28] م . س، سورة الأعراف، الآية رقم 22
[29] السيّاب ، بدر شاكر؛ المجموعة الشعرية الكاملة، ج 2، ص 207 |
|
فاطمة فائزي-طهران-إيران (2011-12-14) |
Partager
|
تعليقات:
|
سعيد بكور
/المغرب |
2011-12-14 |
شاعر قلما يتكرر، فحل من فحول شعراء الحداثة ، بوركت على مقالك الذي يقارب توظيف "التضمين التراثي الديني " ، وقد كانت المقاربة ناجحة في ربطها بتجربة الشاعر الذاتية والنفسية والحياتية، ما يعني أن السياب كان من الشعراء الذينا يوظفون لا التراث -بشكله العام- إلا إذا وجدوا فيه إضافة للتجربة وإغناء لها ،مثله في ذلك مثل أمل دنقل الشاعر المصري الذي تقاسم مع السياب المعاناة مع السرطان، وأعتقد أن القصيدة التي كان فيها السياب ناجحا في توظيف التراث الديني هي تلك التي استلهم فيها قصة سيدنا أيوب عليه السلامن وتحية عطرة
|
البريد
الإلكتروني : said.bakour1982@gmail.com |
|
أضف
تعليقك :
|
|
الخانات * إجبارية |
|